تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخطر على حدودنا الشرقية / حسين حمود

من المسلمات أن الدفاع عن الأمن القومي يتخطى في حدوده الجغرافية حدود الدولة نفسها ليطال مساحات جغرافية قد تبعد مئات الأميال،  و لكنها رغم بعدها في بعض الأحيان تحتوي على  نفس الخصوصيات الثقافية و التاريخية للدولة و تلقي تداعيات التطورات السياسية فيها بظلالها على كل محيطها الإقليمي ، فكيف إذا كان هذا المؤثر الرئيسي على أمنك القومي يقع مباشرة على حدودك الشرقية حيث يختلط التاريخ بالجغرافيا و يمتزج سكان بامكو مع قاطني باسكنو. 
هنا سيظهر أمامنا  سؤال منطقي يفرض نفسه بقوة و إلحاح ! قد تكون هذه الحقائق غائبة عن السواد الأعظم  من الرأي العام ، و لكن هل هي غائبة بالفعل عن ذهن صانع القرار ؟ 
جدوائية طرح هذا السؤال في علم المنطق تستمد شرعيتها من كون الأحداث التي نراها تتفاقم و تتطور بشكل سلبي و متسارع على حدودنا الشرقية تبدوا و كأنها نتاج كمٍّ كبير من الارتجالية و ضبابية الرؤية السياسية.
لقد قتلنا هناك مرارا وتكرارا ، بشتى الطرق و الأساليب :  إعدامات ميدانية ، خطف من على آبارا المياه ، حرق للجثث ، ذبح و تمثيل بأجساد الشهداء و لم تفلح الوفود ولا بيانات الإحتجاج الرسمية و لا زيارات وفود بامكو و لا تقديم واجب العزاء في منع تكرار مثل هذه الحوادث حتى باتوا يألفون و دخلنا نحن في خانة التعود ! و دفع الأبرياء الثمن من دمائهم ! 
إن الجواب على هذا السؤال بسيط بالرغم من صعوبته ، صانع القرار السياسي يمر بثلاثة مراحل لاتخاذ الإجراءات اللازمة و الصحيحة ، يجب أولا أن يمتلك المعلومة الصحيحة ثم يجب أن يفهمها فهما صحيحا ثم بناء على الفهم و التحليل الصحيح يتخذ القرار الصائب ، و متى ما اختلت حلقات إحدى هذه السلسلة يقع المحظور وتكون نتائج القرارات السياسية سلبية.
في مالي الشقيقة التي يجمعنا بها أكثر من ما يفرقنا ، تعيث مرتزقة فاغنر فسادا و قتلا ليس  بحق جيرانها الموريتانيين فقط و لكن أيضا بحق اتنيات الشعب المالي نفسه و تنفذ سياساتها الخاصة بها و هي التي حاولت في يوم من الأيام تنفيذ إنقلاب على روسيا الأم نفسها و زحفت نحو موسكو ، الشيئ الذي أدى لحدوث خلافات كببرة داخل الجيش المالي .
الأوضاع الاقتصادية و الحالة الإجتماعية تتدهور يوما بعد يوم و الصراع العبثي بين معسكر الشرق و الغرب الذي أدخل الانقلابيون فيه أنفسهم ظنا منهم أن الملجأ للحصول على الإستقلال التام و تحسين الأوضاع الاقتصادية يكون عبر الارتماء في أحضان سيد الكرملين بات أولوية الأولويات بحيث لم تعد الكهرباء و لا  القضاء على الجماعات المتطرفة و لا إخراج البلاد من أتون حرب أهلية بين الجنوب و الشمال و لا تدارك انهيار الوضع الاقتصادي في صلب اهتمامات حكام بامكو ، و من الذي يدفع الثمن من أمنه و دمائه ؟ إنه الشعب المالي البريئ .
و بمناسبة استشهاد عدد من الموريتانيين قبل يومين على يد مرتزقة فاغنر و أفراد من الجيش المالي لا يسعنا إلى أن نقدم التعازي للأهل  و نقول انه كان بالإمكان احسن من ما كان لتفادي تكرار هذه الحوادث .
هذه هي الوضعية باختصار شديد على حدودنا الشمالية ؟ فماذا أنت فاعل يا سيد القصر الرمادي في نواكشوط ؟ هل نكتفي بمحاولة علاج النتائج في كل مرة أم ننتقل إلى مرحلة الدفاع الإيجابي و نضع استراتيجية سياسية و أمنية و اقتصادية لحماية أرواح شعبنا على الحدود الشمالية و الدفاع عن أمننا القومي بشكل فعال ! 
أود أن أختم هذا المقال بتقديم مقترح لمن يهمه الأمر إن كان يهمه فعلا بتنظيم أيام وطنية يشارك فيها مختلف الأطر و المثقفين و الفعاليات الاجتماعية لتقديم مقترحات و صياغة رؤى واضحة لكيفية الحفاظ على أمننا القومي داخل  حدودنا و خارجها و وضع استراتيجية لموريتانيا ما بعد 50 سنة من الآن.

لايف تواتر

تابع لايف تواتر عبر صفحتنا في اليوتوب

صفحتنا في اليوتوب
شاهد

النشرة الإخبارية

الاشتراك في النشرات الإخبارية لدينا لتلقي أحدث الأخبار والتحديثات